البيضا (ليبيا) - " كان دائما يتمنى الشهادة في فلسطين فنالها في ليبيا..وبعد ثورة تونس ترحم على البوعزيزي مفجر الثورة التي حررت هذا البلد..وكان دوما يدعو الله أن يغفر له، ويتمنى أن تقوم ثورة مماثلة في ليبيا ضد الاستبداد يشارك فيها بقوة"..هكذا تتحدث أم "خالد الناجي خنفر" (22 عاما)، أول شهيد للثورة الليبية على معمر القذافي، عن ابنها بكل اعتزاز وفخر..
"خالد غالي علي، لكن ما يصبرني أن ليبيا في طريقها لاستعادة حريتها وأن ابني الشهيد في طريقه إلى الجنة.. هكذا يخبرني في منامي كل يوم"
جملة قالتها في البداية بثبات ثم سرعان ما انهمرت دموعها
بغزارة غير انها لم تترك لها العنان طويلا، إذ عادت تقول: " كنت أعلم انه ذاهب للمشاركة في الثورة وسمحت له رغم معارضة والده لعلمي كم كان مشتاقا لذلك وكم كان يتمنى الحرية لبلاده..وقبل أن يغادر المنزل سلم علينا وودعنا بنظرات حانية..كانت نظرات الوداع".
أما والده ناجي خنفر، فبدا أكثر ثباتا حين حدثنا قائلا: "يوم 16 فبراير، قبل يوم الغضب (17 فبراير) الذي دعوا له الشباب على الإنترنت، اندلعت الثورة هنا في البيضا..الجميع فاض بهم الكيل من القذافي..عاد خالد إلى الدار ليخبرني أنه ذاهب للمشاركة في الثورة.. حاولت أن أثنيه لكني أدركت ان ذلك مستحيلا.. كان مصمما فخرج وبعدها بساعة، كنت أشاهد قناة الجزيرة حين أعلنت خبر استشهاد اثنين في البيضا وذركوا أسمائهما وكان بينهما اسم ابني".
"حزنت جدا لكني الآن سعيد وأقدم ابني، أول شهداء الثورة، هدية لليبيا وفداء لحرية شعب ليبيا".
رصاصة غادرة من نظام غادر
أخوه الأكبر، عبد الرزاق الناجي، يحكي من جانبه تفاصيل استشهاد خالد.." لقد تلقى رصاصة واحدة في القلب اخترقت جسده.. فاستشهد على الفور".
"الرصاصة – يضيف عبد الرزاق – جاءت من أحد القناصة الذين كانوا متمركزين فوق مبنى الأمن الداخلي (مثل مباحث أمن الدولة بمصر) بالبيضا حين كان خالد قد وصل برفقة مجموعة من الشباب الغاضبين في مظاهرة سلمية أمام المبنى للمطالبة بإطلاق سراح عدد من أبناء المدينة، بينهم الشيخ صلاح سالم، إمام مسجد بلال بن رباح، الذي اعتقلوا قبيل الثورة بأيام على سبيل الاحتراز، وقبل أن يقوم الأمن بترحيلهم إلى زبانية القذافي في طرابلس كما جرت العادة..لكن فاجأته رصاصة غادرة وبعدها بدقائق استشهد زميله سعد اليمني".
استشهاد خالد وزميله زاد الثوار إصرارا على تحرير المبنى من عملاء النظام، فواصلوا الزحف عليه يوم الخميس 17 فبراير رغم سقوط 6 شهداء آخرين إلى أن تمكنوا من تحريره تماما يوم الجمعة 18 فبراير، الذي شهد سقوط 17 شهيدا، وإطلاق سراح كافة المعتقلين، فكان نقطة تحول لصالح الثوار مكنتهم من بسط سيطرتهم على كامل المدينة.
خالد الناجي خنفر، مواليد عام 1988، كان يدرس بكلية الآداب بجامعة عمر المختار بالمدينة ويعمل في الوقت نفسه – لكي يخفف عن والده أعباء الحياة - بائعا في محل مصوغات، حيث اشتهر بأمانته.
الغريب أن محل المصوغات هذا يقع بجوار مبنى الأمن الداخلي الذي استشهد أمامه والذي كان يعرفه خالد جيدا من الداخل ، نظرا لأنه كان يستدعى كثيرا إليه على خلفية مواظبته على أداء صلاة الفجر في المسجد!.
الكل يشهد بدماثة اخلاقه وبتواضعه وبأمانته الشديدة وبتدينه.."كان يساعد المحتاجين ويسعى لتوفير كل ما هو متاح أمامه ولدى الآخرين من خدمات وتيسيرات للشباب الراغبين في الزواج..الكل كان يحبه وهذا فضل من الله"..هكذا اختتمت أم الشهيد حديثها لشبكة "أون إسلام".